العنوان : عناية الإسلام بالمرأة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
أما بعد:
فإن الإسلام ظهر في زمن كانت المرأة فيه لا قيمة لها لدى كثير من الثقافات حتى قال عمر t “كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ لاَ نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا” رواه البخاري، وكان ميلادُ الأنثى سبباً لنزول الغم على قلوب كثير من الآباء كما قال تعالى “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ” وقد وصل الحال ببعض الآباء الذين نزعت الرحمة من قلوبهم إلى دفن بناتهن وهُنّ على قيد الحياة بلا ذنب، وسوف يسألون عن ذلك قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)
فجاء الإسلام، ورفع الظلم والهوان عن المرأة، وأكرمها، وأمر بالإحسان إليها سواء كانت أُمّاً أو بنتاً أو أختاً أو زوجة أو غير ذلك.
فمن صور عناية الإسلام بالزوجات أمر الأزواج بحسن عشرتهن، قال تعالى : ﴿وعاشروهنَّ بالمعروف﴾، وقال ﷺ “أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ” رواه الترمذي وصححه. ويدخل في حسن العشرة طِيبُ القول وطيبُ الفعل وطيب التجمل وحسنُ الرائحة وأن يكون حال الرجل معها كما يحب أن تكون حالتها معه.
ومن عناية الإسلام بالزوجة أنه أمر الزوج أن يُحسّن خُلقه معها فلا يدّخرُ شيئاً من الخير يقدر عليه عنهم قال ﷺ : «خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» رواه الترمذي وصححه، وقال ﷺ: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم» رواه الترمذي وصححه. وفي هذا المعنى يقول الإمام مالك رحمه الله “ينبغي للرجل أن يُحسِن إلى أهل داره حتى يكونَ أحبَّ الناسِ إليهم”.
ومِن أولى ما يدخل في حسن التعامل مع الزوجة الصبرُ عليها واحتمالُ نقصِها الجِبِلِّي، قال ﷺ: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» متفق عليه. ففيهِ الحثُّ على الصبر على المرأة، واحتمالُ اعوجاجِها ولكن هذا فيه تفصيل:
أما العِوجُ في الأمور المباحة فالمشروع فيه الصبر والاحتمال ومعالجتهُ بلطفٍ ومُداراة.
وأمّا العِوج الذي هو معصيةُ اللهِ ورسولهِ ﷺ بتركِ واجبٍ أو ارتكابِ محرم فهذا لا بد فيه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسبِ الاستطاعة لكن بالتي هي أحسن، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6] وقوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه: 132]
ومن أرقى ما يكون من التعامل مما أرشد إليه النبي ﷺ في تعامل الرجل مع امرأته أن الزوج إذا رأى في زوجهِ خصلةً يكرهها كشراسةِ اللسان مثلاً فإنه مَنهيٌّ أن يبغضَها لأجلِ تلك الخصلة، وإنما ينبغي أن ينظرَ في خصالِها الأخرى الحميدة مثلَ طاعتِها له، وحفظِها لماله، وإكرامِ ضيوفه، وأنها أُمُّ أولاده ونحوِ ذلك، قال ﷺ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» رواه مسلم. ومعنى “لا يَفْرَكْ” أي لا يُبغض.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من عناية الإسلام بالمرأة نهي وليِّ المرأة عن منعها من الزواج بالكفء إذا تقدّم لها قال تعالى ﴿فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن﴾، وعن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله ﷺ: “إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ” رواه الترمذي وحسّنه.
ومن عنايته بها أنه جعل لها نصيباً في الميراث بعد أن كانت في الجاهلية لا ترث بل ربما تُورث، فلا يحل منعها من حقها في الميراث قلّ أو كثُر، قال تعالى (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) [النساء: 7] ولا يحل استغلالُ حيائها وضعفها في أكلِ حقها من الميراث بدعوى تنازلها عنه إن كان قد عُلِم أنها إنما تنازلت تحت ضغط العادات القبلية والأعراف الجاهلية لقوله ﷺ “لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ” رواه أحمد وصححه الألباني.
ومن عناية الإسلام بالمرأة حثه على العناية بالبنات برحمتهن، ورعايتهن، والإنفاق عليهن، وحسن تربيتهن قال ﷺ “مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ، يُؤْوِيهِنَّ، وَيَكْفِيهِنَّ، وَيَرْحَمُهُنَّ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ الْقَوْمِ: وَثِنْتَيْنِ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَثِنْتَيْنِ. ” رواه البخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني. وقال ﷺ : «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ» وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. رواه مسلم.
فاتقوا الله تعالى وأحسنوا إلى أهليكم وبناتكم، وقوموا بحقوقهن التي لهن، وجنبوهن أسبابَ سخطِ الله وغضبهِ من كلِّ ما نهى الله تعالى عنه أو رسوله ﷺ. واستعينوا بالله على ذلك فمن يستعن بالله يعنه الله جل وعلا.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمِنا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لهُداك، واجعَل عملَهم في رِضاك، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله صحبه أجمعين.