التحذير من بدع رجب، والوصية بحفظ باقي الأطعمة. | توجيهات شرعية مختصرة بمناسبة الشتاء | عناية الإسلام بالمرأة | التحذير من الفساد المالي والإداري | الحث على اغتنام الإجازة فيما ينفع | فضل حُسْنِ الخُلُق والتحذير من إضاعة أجرِ الطاعات بالأذى | الترغيب في الإكثار من دعاء الله، وأن طلب المَدد من الأموات شرك أكبر |

العنوان : التحذير من بدع رجب، والوصية بحفظ باقي الأطعمة.

عدد الزيارات : 101

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْلَ الدِّينِ وَقَاعِدَتَهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. وَمُقْتَضَى هَاتَيْنِ الشَّهَادَتَيْنِ إِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالْمُتَابَعَةُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ جَلَّ وَعَلَا وَمُوَافِقًا لِهَدْيِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَدَلِيلُ الْإِخْلَاصِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ).

وَدَلِيلُ الْمُوَافَقَةِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ). وَمَعَ رَدِّ الْبِدْعَةِ عَلَى صَاحِبِهَا فَهُوَ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهَا بِالنَّارِ؛ قَالَ ﷺ: (وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ). رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

وَمِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ مَا ظَهَرَ فِي الْأُمَّةِ مِنْ أَزْمَانٍ قَدِيمَةٍ فِي شَهْرِ رَجَبٍ؛ كَصَلَاةِ الرَّغَائِبِ، وَهِيَ صَلَاةٌ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ. وَتَخْصِيصُهُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بِالصِّيَامِ دُونَ سَائِرِ الْأَشْهُرِ. وَمِنَ الْبِدَعِ تَخْصِيصُهُ بِذَبِيحَةٍ تُذْبَحُ فِيهِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَخُصُّونَهُ بِالْعَتِيرَةِ، وَهِيَ ذَبِيحَةٌ يَذْبَحُونَهَا فِي رَجَبٍ تَقَرُّبًا إِلَى أَصْنَامِهِمْ. لِذَا قَالَ ﷺ: (لَا عَتِيرَةَ فِي الْإِسْلَامِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَمِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ الِاحْتِفَالُ فِي رَجَبٍ بِلَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ الَّذِي يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ عَلَى احْتِفَالِهِمْ بِهِ دَلِيلٌ مِنْ آيَةٍ مُحْكَمَةٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا عَمَلٍ مَنْقُولٍ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ.

ثم إنَّ تَارِيخَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي أَيِّ شَهْرٍ هُوَ، بَلْ قَدِ اخْتُلِفَ فِي أَيِّ عَامٍ هُوَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَضْلًا عَنْ تَعْيِينِ شَهْرِهِ أَوْ يَوْمِهِ. وَلَوْ ثَبَتَ تَعْيِينُ تَارِيخِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الِاحْتِفَالِ بِهِ دَلِيلٌ.

وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فِي رَجَبٍ، فَمَنِ اعْتَمَرَ فِيهِ لِكَوْنِهِ وَافَقَ عِنْدَهُ فَرَاغًا أَوْ نَشَاطًا فَلَا إِشْكَالَ فِي جَوَازِ عُمْرَتِهِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِلْعُمْرَةِ فِي رَجَبٍ فَضِيلَةً خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ. وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ رَغَّبَ الْأُمَّةَ فِي الِاعْتِمَارِ فِي رَجَبٍ، بَلْ رَغَّبَهُمْ أَنْ يَعْتَمِرُوا فِي رَمَضَانَ، وَاعْتَمَرَ هُوَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كُلُّهَا كَانَتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.

وَمِنَ الْأَخْطَاءِ نِسْبَةُ هَذَا الدُّعَاءِ (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ) إِلَى النَّبِيِّ ﷺ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عَنْهُ ﷺ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مَا لَمْ يَقُلْهُ. أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِهِ، وَلَا تَزِيدُوا فِي الدِّينِ بِدْعَةً قَوْلِيَّةً وَلَا عَمَلِيَّةً، فَإِنَّ الدِّينَ كَامِلٌ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ وَالْإِحْكَامِ، وَلَيْسَ بِحَاجَةٍ إِلَى زِيَادَةٍ؛ قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ، أَخْتِمُ الْخُطْبَةَ بِتَنْبِيهٍ خَارِجَ مَوْضُوعِ شَهْرِ رَجَبٍ، وَهُوَ الْعِنَايَةُ بِبَاقِي الطَّعَامِ؛ فَإِنَّنا نُشَاهِدُ كَثِيراً مِنَ الْأَطْعِمَةِ الصَّالِحَةِ لِلْأَكْلِ مَرْمِيَّةً فِي بَرَامِيلِ الزُّبَالَةِ وَجِوَارِهَا فِي صُورَةٍ مُزْرِيَةٍ مِنْ صُوَرِ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. فَمَنْ بَقِيَ لَدَيْهِ طَعَامٌ لَا يَحْتَاجُهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ عَلَى مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ. وَإِذَا كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ لِلصَّدَقَةِ فَليضَعْهُ فِي مَكَانٍ مُنَاسِبٍ تَسْتَفِيدُ مِنْهُ الدَّوَابُّ وَالْبَهَائِمُ؛ فَفِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ صَدَقَةٌ.

وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِشُكْرِ نِعَمِهِ وَأَعَاذَنَا مِنْ كُفْرَانِهَا. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ بِتَوْفِيقِكَ، وأَيّدْهُمْ بِتَأْيِيْدِكَ، وَاسْتَعْمِلْهُمْ فِي طَاعَتِكَ وَنُصْرَةِ دِينِكَ، وَهَيِّئْ لَهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *