أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده شرائع ونهى أن يعتدى عليها كما قال تعالى (تلك حدود الله فلا تعتدوها) وحرم على عباده أشياء ونهى أن يقترب منها كما قال تعالى (تلك حدود الله فلا تقربوها)

وقد وعد الله من أطاعه بالثواب والكرامة وتوعد من عصاه بالعقوبة في الدنيا ويوم القيامة كما قال تعالى (تلك حدود ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين).

والمعاصي تتفاوت في القبح والشناعة لذا كان منها ما رُتبت عليه العقوبة في الدنيا مع وعيد أصحابها في الآخرة لشدة خطرها وبالغ أثرها.

فمنها العدوان على الأنفس بإزهاقها ظلماً وعدوانا فمن قتل مؤمناً متعمداً فعقوبته القتل كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى)

ومنها جريمة الزنا فمن زنا وهو بكر جُلِد مائةَ جلدة وغُرِّب عن بلده سنة كاملة. وإن كان الزاني ثيباً أي سبق له أن جامع زوجته ولو كان عند الزنا بلا زوجة فعقوبته الرجم بالحجارة حتى يموت  كما في الحديث الصحيح (على ابنِكَ جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم)

ومنها العدوانُ على الأموال بسرقتها خُفيةً من أماكن حفظها وصيانتها فمن اعتدى على المال بسرقته قطعت يده اليمنى من مفصل الكف كما قال تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا).

ومن الجرائم قذف العفيف أو العفيفة بالزنا فما لم يُقِم القاذفُ الشهادة الشرعية وطالب المقذوفُ بحقه فإنه يجلد ثمانين جلدة قال تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)

ومنها جريمة تغطية العقل بالسكر وشرب الخمر أمِّ الخبائث فمن شربها جلد ثمانين جلدة.

ومن الجرائم الكبيرة جريمة الحرابة وهي قطع الطريق والإفساد في الأرض وتخويف الناس والاعتداء على أنفسهم أو أموالهم أو اعراضهم وفيهم يقول تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)

ومن الجرائم جريمة الردة عن دين الاسلام والعياذ بالله فمن ارتد عن دينه يستتاب فان تاب والا قتل لقوله صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري.

ومن الجرائم جريمة نزع بيعة ولي الأمر والخروج عليه وتفريق كلمة الجماعة فمن فعل ذلك فقد حل دمه لقوله صلى الله عليه وسلم «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه» أخرجه مسلم.

وجاءت الشريعة بالعقوبات التعزيرية وهي العقوبات التي يراها ولي الأمر على الجرائم التي لم يرد فيها حد شرعي فيجوز له أن يعاقب صاحبها ولو بلغت العقوبة القتل إذا كانت المصلحة تقتضيه وهو مذهب مالك واختيار شيخ الاسلام وتلميذه ابن القيم.

عباد الله ان تشريع هذه الحدود هو أمر في غاية الحكمة فإنها شرعت لحفظ المصالح التي لا يصلح الدين والدنيا الا بها فشرع القتل قصاصا لحفظ الأرواح والأنفس.

وشرع حد الزنا حفاظا على الأعراض والسمعة والذرية

وشرع حد السرقة حفاظاً على الأموال التي بها قيام معايش الناس.

وشرع حد القذف حفاظاً على أعراض الناس

وشرع حد شرب المسكر حفاظاً على العقول التي كرم الله بها الآدميين.

وشرع حد الحرابة حفاظاً على أمن الناس في إقامتهم وأسفارهم.

وشرع حد الردة حفاظاً على الدين الذي هو رأس المال.

وشرع قتل الخارج على الجماعة حفاظاً على وحدة المجتمع المسلم واجتماعه واستقراره وقوته.

كما أن في هذه الحدود من المصالح تخفيفَ الذنوب عن أصحابها فيرجى أن تكون كفاراتٍ مطهراتٍ لمن أقيمت عليه من المسلمين.

عباد الله : إن هذه الحدود لا يجوز أن تُعَطّل خجلاً منها بدعوى أنها رجعية أووحشية أو لكونها منافية للديموقراطية أو الحرية كما يقال بل هي عين الحق والعدل والرحمة والرأفة ولا يصلح الناس إلا بها ولا تستقيم دولهم ولا مجتمعاتهم إلا بها ولا عجب في ذلك فهي حكم الله (ومن أحسن الله حكما لقوم يوقنون).

كما لا يجوز أن تعطل محاباة ومجاملة لأحد كما قال صلى الله عليه وسلم (وأَيـْمُ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) فلا فرق في الحدود بين شريف ووضيع وغني وفقير. الكل فيها سواسية.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

 الخطبة الثانية

أما بعد:

فإن من البشائر العظيمة البشارة بإقامة الحدود والتعزيرات على مجموعة من المتورطين في جرائم التكفير والقتل والإفساد في الأرض ونزع البيعة الشرعية والخروج على جماعة المسلمين.

نعم إنها بشارة سارة إذِ الفرحُ بإقامة الحدود الشرعية فرحٌ شرعي ففي أقامتها إقامة حكم الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل يحب أن يقام شرعه وأن يُنفذ حكمه.

ولأن في إقامتها ردعاً لأهل الشر والفساد ممن تسول له نفسه أن يسلك مسلكهم فكم من مرتدع اليوم كان ينويَ أن يقتدي بهم ويفعلَ فعلهم فلمّا رأى ما فعلت السيوف بالرقاب راجع نفسه وكف يده فسملت بهذه الحدود الأنفس وثبت الأمن وازدادت الجماعةُ لحمةً والدولةُ هيبة كما قال تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب) نعم إن القصاص حياة للأنفس والأفراد والمجتمعات والأموال والأعراض.

ولأن في إقامتها من فتح أبواب البركات ونزول الخيرات أكثرَ مما يكون بنزول الأمطار من السماء كما قال صلى الله عليه وسلم «حَدٌّ يُعمل به في الأرض، خير لأهل الأرض من أن يُـمطروا أربعين صباحا» رواه النسائي وابن ماجه واللفظ له وحسنه الألباني.

عباد الله :

إن هذه الفئة الضالة قد سلكت مسلك الخوارج فكفروا ولاة أمرنا وعلماءنا ورجال أمننا واستحلوا الدماء المعصومة من المسلمين والمعاهدين وسعوا في الأرض بالفساد من خلال القتل والتفجير والاغتيالات واستهداف المنشآت الاقتصادية الكبرى، وترويع الآمنين، وسلب الممتلكات غصباً وقهراً ، فلا جَرَم أن يحكم عليهم القضاء الشرعي النزيه بحد الحرابة على بعضهم وقتل البقية تعزيراً عقوبة لهم وردعاً لغيرهم وتخليصاً للمجتمع من شرورهم.

والواجب علينا أن نشكر دولتنا وندعو لها ونشد من أزرها ونثني عليها بما هي أهله على تنفيذها حكم الله وعدمِ محاباتها لأحد في ذلك تنفيذاً لقوله تعالى في بعض أهل الحدود (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله).

كما إن من أوجب الواجبات علينا أن نوعي أبناءنا وبناتنا بخطر هذه الأفكار التكفيرية الضالة وخطر الانتماء إلى الجماعات التي تتبنى هذه الضلالات وخطر الاستماع والإصغاء لكل من يروج لها أو يدافع عنها أو ينتقد الدولة بالتصريح أو التلميح في موقفها الحازم من هذه الجماعات الضالة وأهلها حتى لا يكون مصيرهم مصير هؤلاء والعياذ بالله.

اللهم احفظ بلادنا بحفظك واكلأها برعايتك واحفظ ولاة أمورنا من كل سوء وزدهم عزاً وتوفيقاً وتأييداً يا سميع الدعاء.